تمردٌ (قصةٌ قصيرةٌ)
تفتحَتْ عينَاها على أبٍ غشومٍ؛ وأمٍّ مقهورةٍ، رضعتِ الألمَ، وتنفستِ الرعبَ، وغسلتْها أنهارُ الدموعِ؛ المتدفقةِ مِن عينيْ أمِها؛ في الليالِي الباردةِ الموحشةِ. صراخُهُ كهزيمِ الرعدِ، ونحيبُها يقطعُ نياطَ القلوبِ. أينعَتْ وحانَ قِطافُها، سخِرَتْ مِن أخواتِها؛ اللائِي سبقنَها وتزوجْنَ زواجًا تقليديًا، ونسجْنَ على منوالِ الأمِّ؛ كأنهنَّ مُستنسخاتٍ منها خَلقًا وخُلقًا. أما هِي فقد كانتْ نسيجًا وحدَها. لم ترثْ مِن أمِّها إلا جمالًا، يسحرُ الألبابَ، ويخطفُ الأبصارَ، ويسبي العقول.
بينَ جوانحِها الضعيفةِ، تكمنُ نفسٌ وثابةٌ، لا ترضخُ للقيودِ، وروحٌ متمرِّدةٌ؛ كنمرةٍ عصيةٍ على الترويضِ. أحلامُها ليسَ لها حدودٌ، رفضَتْ أنْ تمكثَ مكتوفةَ اليدينِ، في انتظارِ فارسٍ مجهولٍ، قادمٍ في يومٍ مجهولٍ، من مكانٍ مجهولٍ، لِيخطفَها على حِصانِهِ الأبيضِ؛ فخرجَتْ تزاحمُ الرجالَ في سوقِ العملِ، بعدَ أنْ بزَّتْهم في مقاعدِ العلمِ. تدرجَتْ في المناصبِ؛ حتَّى تبوأَتْ أعلاها. أضحَتْ محطَّ أنظارِ الجميعِ، في كلِّ مكانٍ حلَّتْ بِهِ.
المالُ، والجمالُ، والحسبُ، والخلقُ، والسيرةُ الطيبةُ، كلُّ ذلك أشعلَ فتيلَ الغيرةِ، في قلوبِ بناتِ جنسِها، وجعلَها ملكةَ نحلٍ، تتبعُها اليعاسيبُ؛ في الحلِّ والترحالِ، وتتمَّنى رضَاها. شخصيتُها القويةُ، ومنصبُها الرفيعُ، شكَّلا حائطَ صدٍّ منيعٍ، أمامَ الطامعين في وصلِها. تمعنَتْ فيمنْ يُحيطُونَ بِها، فلم تجدْ لها كفُؤًا، طرحَتْ فكرةَ الزواجِ جانبًا، وأكبَّتْ على رسالةِ الدكتوراه، حتَّى نالتْها. حاولَ المشرفُ على الرسالةِ، لفتَ نظرِها إليْهِ دونَ جدوَى. زادَهُ غرورُها جنونًا بِها. انتقلَ مِن التلميحِ إلى التصريحِ. طلبَتْ مهلةً لِلتفكيرِ، الرجلُ هاديءُ الطبعِ، دمِثُ الخُلقِ، مستقيمٌ، لا يعرفُ إلا كتبَهُ، وجامعتَهُ، انتهتِ المهلةُ، ولم تصلْ إلى قرارٍ. تجربةُ أمِّها العصيبةُ تؤرقُها، وتوْقُها للأمومةِ يُضنِيها، طارَ من الفرحةِ يومَ وافقَتْ، تزوجَا، كانتْ لها الكلمةُ العُليا، رفرفتِ السعادةُ حينًا، ثمَّ حلقَتْ مبتعدةً، مضتِ الأيامُ رتيبةً، العشُّ الهاديءُ خيمَ عليْهِ صمتُ القبورِ، كلاهما منكبٌّ على عملِهِ، يفترقانِ من أجلِهِ صباحًا، لِيجمعَهما الفِراشُ ليلًا.
راجعَتِ الأطباءَ بُغيةَ الولدِ، صعقَها إجماعُهم على خطورةِ الحمل، في هذا السنِّ، عليْها وعلى الجنينِ. روحُها المغامرةُ أبَتْ الاستسلامَ، مضَى الحملُ بِسلامٍ، وضعَتْ مولُودًا سليمًا، ملأَ عليْهما الدُّنيا، تفرغَتْ لِرعايتِهِ، أولتْهُ كلَّ عنايتِها، دونَ أنْ تشعرَ، سحبَ الوليدُ بساطَ رعايتِها، مِن تحتِ قدمَي الزوجِ، لم تُعِرْ شكواهُ اهتمامًا، لم تلِنْ قناتُها لِتوسلاتِهِ الصامتةِ، ظنَّتْها غيرةً عابرةً، لا مبررَ لها، سرعانَ ما تزولُ، المرأةُ الحديديةُ، التي صمدتْ لِكلِّ الخطوبِ، دونَ أنْ تهتزَّ، زلزلَها خبرُ زواجِهِ، بعدَ أنْ أعياهُ ترويضُها. بعدَ الطلاقِ، ألِفَ الوليدُ دموعَ النَّدمِ المنسابةَ في هدأةِ الليلِ مِن عيونٍ طالَ صمودُها.
أحمد عبد السلام_مصر
تفتحَتْ عينَاها على أبٍ غشومٍ؛ وأمٍّ مقهورةٍ، رضعتِ الألمَ، وتنفستِ الرعبَ، وغسلتْها أنهارُ الدموعِ؛ المتدفقةِ مِن عينيْ أمِها؛ في الليالِي الباردةِ الموحشةِ. صراخُهُ كهزيمِ الرعدِ، ونحيبُها يقطعُ نياطَ القلوبِ. أينعَتْ وحانَ قِطافُها، سخِرَتْ مِن أخواتِها؛ اللائِي سبقنَها وتزوجْنَ زواجًا تقليديًا، ونسجْنَ على منوالِ الأمِّ؛ كأنهنَّ مُستنسخاتٍ منها خَلقًا وخُلقًا. أما هِي فقد كانتْ نسيجًا وحدَها. لم ترثْ مِن أمِّها إلا جمالًا، يسحرُ الألبابَ، ويخطفُ الأبصارَ، ويسبي العقول.
بينَ جوانحِها الضعيفةِ، تكمنُ نفسٌ وثابةٌ، لا ترضخُ للقيودِ، وروحٌ متمرِّدةٌ؛ كنمرةٍ عصيةٍ على الترويضِ. أحلامُها ليسَ لها حدودٌ، رفضَتْ أنْ تمكثَ مكتوفةَ اليدينِ، في انتظارِ فارسٍ مجهولٍ، قادمٍ في يومٍ مجهولٍ، من مكانٍ مجهولٍ، لِيخطفَها على حِصانِهِ الأبيضِ؛ فخرجَتْ تزاحمُ الرجالَ في سوقِ العملِ، بعدَ أنْ بزَّتْهم في مقاعدِ العلمِ. تدرجَتْ في المناصبِ؛ حتَّى تبوأَتْ أعلاها. أضحَتْ محطَّ أنظارِ الجميعِ، في كلِّ مكانٍ حلَّتْ بِهِ.
المالُ، والجمالُ، والحسبُ، والخلقُ، والسيرةُ الطيبةُ، كلُّ ذلك أشعلَ فتيلَ الغيرةِ، في قلوبِ بناتِ جنسِها، وجعلَها ملكةَ نحلٍ، تتبعُها اليعاسيبُ؛ في الحلِّ والترحالِ، وتتمَّنى رضَاها. شخصيتُها القويةُ، ومنصبُها الرفيعُ، شكَّلا حائطَ صدٍّ منيعٍ، أمامَ الطامعين في وصلِها. تمعنَتْ فيمنْ يُحيطُونَ بِها، فلم تجدْ لها كفُؤًا، طرحَتْ فكرةَ الزواجِ جانبًا، وأكبَّتْ على رسالةِ الدكتوراه، حتَّى نالتْها. حاولَ المشرفُ على الرسالةِ، لفتَ نظرِها إليْهِ دونَ جدوَى. زادَهُ غرورُها جنونًا بِها. انتقلَ مِن التلميحِ إلى التصريحِ. طلبَتْ مهلةً لِلتفكيرِ، الرجلُ هاديءُ الطبعِ، دمِثُ الخُلقِ، مستقيمٌ، لا يعرفُ إلا كتبَهُ، وجامعتَهُ، انتهتِ المهلةُ، ولم تصلْ إلى قرارٍ. تجربةُ أمِّها العصيبةُ تؤرقُها، وتوْقُها للأمومةِ يُضنِيها، طارَ من الفرحةِ يومَ وافقَتْ، تزوجَا، كانتْ لها الكلمةُ العُليا، رفرفتِ السعادةُ حينًا، ثمَّ حلقَتْ مبتعدةً، مضتِ الأيامُ رتيبةً، العشُّ الهاديءُ خيمَ عليْهِ صمتُ القبورِ، كلاهما منكبٌّ على عملِهِ، يفترقانِ من أجلِهِ صباحًا، لِيجمعَهما الفِراشُ ليلًا.
راجعَتِ الأطباءَ بُغيةَ الولدِ، صعقَها إجماعُهم على خطورةِ الحمل، في هذا السنِّ، عليْها وعلى الجنينِ. روحُها المغامرةُ أبَتْ الاستسلامَ، مضَى الحملُ بِسلامٍ، وضعَتْ مولُودًا سليمًا، ملأَ عليْهما الدُّنيا، تفرغَتْ لِرعايتِهِ، أولتْهُ كلَّ عنايتِها، دونَ أنْ تشعرَ، سحبَ الوليدُ بساطَ رعايتِها، مِن تحتِ قدمَي الزوجِ، لم تُعِرْ شكواهُ اهتمامًا، لم تلِنْ قناتُها لِتوسلاتِهِ الصامتةِ، ظنَّتْها غيرةً عابرةً، لا مبررَ لها، سرعانَ ما تزولُ، المرأةُ الحديديةُ، التي صمدتْ لِكلِّ الخطوبِ، دونَ أنْ تهتزَّ، زلزلَها خبرُ زواجِهِ، بعدَ أنْ أعياهُ ترويضُها. بعدَ الطلاقِ، ألِفَ الوليدُ دموعَ النَّدمِ المنسابةَ في هدأةِ الليلِ مِن عيونٍ طالَ صمودُها.
أحمد عبد السلام_مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق