الأربعاء، 29 يوليو 2015

الخطُّ الأحمرُ .......... لـــــــــــ أحمد عبد السلام ......... مجلة ~ قيثارة القلم الذهبى ~

لم تخرجْ رحلاتُنا المدرسيةُ يومًا؛ عن دائرةِ النجمةِ الخماسيةِ: النيلِ؛ الأهراماتِ؛ المتاحفِ؛ القلعةِ؛ حديقةِ الحيوانِ. أمامَ "جبلايةِ القرودِ"؛ ازدحمَ روادُ الحديقةِ، يتأملُونَ القردةَ المُشاغبَةَ؛ وتتأملُهم، تسللْتُ إلى المكانِ الذي أعشقُهُ كلمَا أتيْنَا هُنا، على يمينِي نمِرٌ هائجٌ؛ يروحُ ويجيءُ؛ في رتابةٍ، لا يُعيرُ الزوارَ؛ أدنَى انتباهٍ، كفيلسوفٍ ذاهلٍ؛ غارقٍ في أفكارِهِ، وعلى يسارِي دبٌّ ثائرٌ؛ يلهثُ؛ يكادُ يقتلُهُ الحرُّ؛ رغمَ الماءِ المتدفقِ على جسدِهِ؛ بِلا انقطاعٍ؛ من نافورةٍ ضخمةٍ، وأمامِي مباشرةً أسدٌ هائلٌ؛ رابضٌ في تحدٍّ، كملكٍ مَأسورٍ. عينَاهُ المُخيفتانِ تقدحَانِ الشررَ؛ وزئيرُهُ يرجُّ المكانَ؛ من حينٍ لِآخرَ؛ ويَملأُ الأفئدةَ رعبًا، تمنيْتُ لِلحظاتٍ؛ لَو عُلِّمْتُ منطِقَ الطيرِ؛ والحيوانِ؛ لِأعرفَ ما يدورُ في هذِهِ الرؤوسِ المكظُومةِ، ثمَّ سرعانَ ما نَفضْتُ الفكرةَ؛ من رأسِي؛ مُتحسِّرًا: لقد كان سليمانُ؛ نبيًا ملِكًا، وكلُّ الكونِ مسخرٌ لَهُ؛ حتَّى الريحِ، وجنودُهُ من الإنسِ؛ والجنِّ؛ والطيرِ. فإذا سمِعَ ثمةَ شكايةً؛ قدرَ على إزالتِها، أو مَظلمةً؛ انتصفَ لِصاحبِها، لكنْ ما عسَى أنْ يصنعَ؛ ضعيفٌ مثلِي، لا يملكُ لِنفسِهِ؛ فضلًا عن غيرِهِ؛ نفعًا ولا ضرَّا؟، تملكَنِي هاجسٌ مُريعٌ؛ ارتعدَتْ منْهُ فرائصِي رعبًا؛ وتصبَّبَ جبينِي؛ عرقًا باردًا: هل يأتِي يومٌ؛ يُحبسُ فيه البشرُ؛ في أقفاصٍ؛ وتتناوبُ الحيواناتُ؛ الفُرجةَ عليْهم؛ والتسليةَ بِمشاهدةِ حركاتِهم؟ فجأةً، رأيْتُني أُمسكُ القضبانَ الساخنةَ؛ التِي أمامِي؛ بِكلتا يديَّ، وأجذبُها؛ في عنفٍ، وأهتفُ؛ في غضبٍ هادرٍ: أيتُها الحيواناتُ الغبيةُ، أزيلِي هذهِ القُضبانَ عنِّي، أطلقِي سراحِي، أنا خيرٌ منكِ، أنا بشرٌ مكرَّمٌ! في ومضةٍ خاطفةٍ، تلاقْتْ أعينُنا، ورأيتُ الأسدَ، ينهضُ؛ قُبالَتِي؛ في تثاقُلٍ، وأنا متخشِّبٌ في مكانِي كجذعِ شجرةٍ، أُحدِّقُ فيهِ؛ كالمَسحورِ.
انتفضْتُ؛ على صيحاتِ تحذيرٍ عاليةٍ؛ وصرخاتِ فزعٍ مُدوِّيةٍ؛ ويدٍ خشنةٍ قاسيةٍ؛ تجذبُني لِلخلفِ، ووجهٍ متجهمٍ؛ يصيحُ بِاستنكارٍ:
_أنتَ! عُدْ لِلوراءِ، لقد اجتزْتَ الخطَّ الأحمرَ! أتودُّ أن تكونَ؛ وجبةَ الأسدِ اليومَ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق