الثلاثاء، 17 مايو 2016

السُّلم....أحمد عبد السلام




السُّلم
المنطقة الزراعية المتاخمة للحي الراقي تم تبويرها وضمها لكردون المدينة. التهبت الأسعار وتكالب الناس على امتلاك قطع الأرض. انسحب اللون الأخضر مهزومًا أمام الجيوش الرمادية الزاحفة للأسمنت والحديد. علت العمارات يناطح بعضها بعضا في عشوائية ممجوجة. بقيت مساحة من الأرض الزراعية (المسقعة) المتطرفة تواصل الزراعة على استحياء، يؤخر أصحابها يوم الجناية عليها ترقبا لمزيد من الثراء. المنفذ الوحيد المطل على الحياة كان مزلقان الموت. الكثافة السكانية المتزايدة لا يحد منها سوى تحالف الأوبئة والقطارات السريعة. قتيل على الأقل يوميًا تحت العجلات. يجمعون الأشلاء ويهزون رؤوسهم أسفًا على إهمال المسؤولين، ثم يواصلون حياتهم المعتادة. سرت شائعة بقرب إلغاء السكة الحديد، وردم الترعة وتحويلها إلى صرف مغطى. ارتفع لهيب الأسعار واشتد سعار البناء، زاد المكان اختناقًا. وفد إلى المنطقة أمواج من الأثرياء العرب المهاجرين من البلدان المستعرة، تلاهم ثلة من محدثي الثراء، بعد استيلاء الدولة على منازلهم وهدمها وتعويضهم، لإنشاء محور جديد للطريق السريع. بأموال التعويضات قضوا على البقية الباقية من الفضاء. وأصبحت المنطقة قطعة من الصين الشعبية. لو نظرت إلى العابرين للمزلقان صباحًا لرأيت عجبًا: جموع السابلة المتدافعة من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والعجائز الأصحاء والزمنى، وعربات الكارو تجرها الحمير والخيول، وعربات التوك توك بسائقيها الذين لم يشبوا عن الطوق والمشهورين بالتهور والرعونة، دراجات عادية وبخارية في سباق بهلواني، أوتوبيسات وميكروباصات ومقطورات وسيارات نقل وملاكي وأجرةتزحف تسبقها أبواق التحذير، تتخللها قطعان المواشي والماعز تحوطها الكلاب، باعة جائلون يفترشون قارعة الطريق ويُعيقون المرور. يبيعون كل ما يخطر على بالك من مأكولات ومشروبات وملبوسات وهدايا وتحف وأدوات منزلية، حتى الحيوانات والطيور الأليفة ومستلزماتها. مجموعات من الشباب العاطل المتخصص في معاكسة النساء وافتعال المشاجرات والسرقات. سيماهم في وجوههم من أثر السجون، بائعو بانجو ومخدرات (عيني عينك) على بعد خطوات من نقطة الشرطة الصامتة، لو تفرست فيهم لوليت منهم فرارًا، ولملئت منهم رعبًا. تصدح المساجد بالأذان فلا يجيب إلا القليل. تهللت أساريرهم حين حيل بينهم وبين المزلقان بسور منيع، وارتفع عليه كوبري مشاة موصول بسلم كهربائي ومصعد من الجانبين. بالإضافة إلى كوبري آخر لعبور السيارات. بدت النضارة في وجوههم بعد انعدام حوادث القطارات. لم ينغص عليهم فرحتهم سوى انقطاع الكهرباء المتواصل وتعطل السلم والمصعد. بعد سنتين شب حريق هائل أتى على الأخضر واليابس. هرعوا جميعا إلى السلم. كانت الكهرباء مقطوعة كالمعتاد. حصيلة الحريق والدهس والتدافع فاقت خسائر السنوات العجاف.
أحمد عبد السلام - مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق