الأحد، 11 أكتوبر 2015

الهَوَسُ. (قصة قصيرة)✒أحمد بدر مهدي///////مجلة فيتارة القلم الذهبي

الهَوَسُ. (قصة قصيرة)✒
هل تعتقد أنك تعرف كل شئ في منزلكَ، فكر قليلاً بل فَكر أكثر وأكثر ألم يحن الوقت لكي تعرف من الذي يتحرك في سكون الليل وأنت نائم، ومن عَبَسَ بالأمس بصدرية زوجتك في خزانة الملابس ونقلها من مكانها إلى مكان ملابسك، لكي تتشاجروا، ولماذا كل يوم في الثالثة فجراً تبكي صغيرتك الرضيعة في فراشها في نفس الميعاد، ما الذي يقض مضجعها، ألم يحن
الوقت لكي تعرف من يهمس في أذنك همسة خاطفة سريعة كقطار الريح في وقت الخلوة، او لماذا عندما تنتهي السحب من مقاومتها لاسدال ستار الشمس عليها لقدوم الليل ترتاب وترتعد، الأفكار جميعُها تغتاله وتُملي عليه التوجس والحيرة والشرود كثيراً، حسن نضال شاب ثلاثيني من الطبقة الوسطى مثقف ناضج، وظيفته موظف القروض والائتمان في بنك أجنبي، متزوج ولديه طفلة ترك له والده ثروة ليست كبيرة ولكنها تكفيه إذا قرر عدم العمل، ومع ذلك فهو يؤمن بأنه مسحور
(معموله عمل) يتعامل مع رجل اسمه الطَّوَّافُ هو الذي أخبره بأن اشياء لا قبل له بها تحدث في منزله، حسن يُفضي له باسراره، ويتحدث معه عن كل شئ كل ما يؤرقه فالطَّوَّافُ في قاموس هذا العالم معروف بأنه المُخلصَ الذي تطيب عنده النسوة، وتحمل من كانت عاقر، ويُسمع من كان أصَم، ويشفى من كان مسحور، وهذا سبب معرفة حسن به، حسن يمجده كثيراً ويراه في منزلّة قديس او نبي جديد ولا ينسى ذاك الموقف الغريب القديم عندما اتصل به الطَّوَّافُ وأخبره أن فرد من أفراد عائلته سيموت قريباً، وقد كان ومات عمه بالفعل، ومن سَاعتِها وهو يُطيع كل ما يطلبه منه، فقد طلب منه ذات مرة أن يبحث عن أجمل امرأة في وسط البلد بل ويقنعها بأنه شديد الاحتياج لها لكي يرسمها عارية الصدر لآن في رسمها سيخرج السحر وينتقل لها، وطبعاً لن يستطيع أن يقول لها هكذا، بل ووصف له مواصفاتها أن تكون بيضاء كالحليب وعينيها زرقاوين كزرقة السماء الوسيعة ونهديها، نافرين مشدودين لكي يظهرهم
في اللوحة ويبرزهما، وأن تكون لم تتزوج قط، مواصفات ليست بالسهلة فكيف يفعلها، حسن رسام موهوب ولكنه هاوٍ، جاءت في رأسه فكرة فهو جلس كثيراً مع أصدقائه في مَرسم للهواة في منطقة البورصة، ذهب من فوره وأتجه هناك، فمنذ زمن طويل بعد زواجه لم يذهب إلى المكان المزدحم بتلاطم أمواج البشر، المكان الذي يوجد فيه كل الأفكار الأيدولوجية السياسية وغيرها، يسار، ، وسط، يمين او حتي لاديني، مُلحد، علماني، ليبرالي، كل الأنماط متاحة العُهر الفكري موجود والعُهر الجسدي موجود ايضاً، ولكن هو يريد امرأة شديدة الجمال وأن لا تكون بِنتُ هوى، الأفكار واضحة من الطَّوَّافُ، ووجب التنفيذ، جلس على طاولة في مقهى باب الورد في باب اللوق المكان يعج بالشباب والفتيات أغلب الكراسي الخشبية الصغيرة الغير مريحة والطاولات البلاستيكية في الشارع أمام المقهى، فهي صفة أساسية في مقاهي وسط البلد، رائحة دخان الطعام السوري الشهى في المطعم المجاور ميزها جيداً من كثرة إقباله عليها هو وزملائه فعندما كانوا ينتهون من الرسم يذهبون لهذا المطعم ليستمتعوا ولكي يبتعدوا قليلاً عن الوجبات السريعة، وبعدها يشربون زجاجتين او أكثر من (البيرة المشبرة) في قهوة الحرية، جلس رجل أمامه على الطاولة ونظر له في صمت وقال له أنا من طرف الطَّوَّافُ ففهم حسن وتنفس براحةٍ بعد انقباض صدره فحسن طول حياته، لا تهتز بصيلة من شعره فهو بارد الأحاسيس والمشاعر دائما حتي مع والده عندما كان يثور فهو لا يحرك ساكنا، ولكن الأحوال تغيرت تماماً فهو أصبح أكثر عدائية، متوجس ومنقبض الصدر دائماً، الرجل جاء للمساعدة، بدأ في فتح صندوقٍ خشبيٍ صغير وأخرج منه كمنجة وبدأ بالعزف، استغرب حسن من ردت الفعل السريعة فهو لم يتحدث في شئ مع الرجل، حلاوة وعذوبة العزف جعل الجالسون ينتبهون، الرجل يعزف وهو مغمض العينين تماماً عزف ما يقرب من عشر دقائق وهو هكذا، وعندما انتهى صفق الحضور بحرارة وكأنهم في اوبرا بعد انتهاء الرجل من العزف صمت ولم يتحدث مع حسن وظل مُنكس رقبته لا يُعليها ابدا، المساء قد خلى من المزحة الصيفية وبدأت همسات الشتاء الباردة تَهلُ على الجالسين ليلاً في المقهى، في آخر يوم من أيام اكتوبر، بعد شرود طويل وسكون أطول من اثنتيهما، وجد حسن من يربت على كتفه من الخلف انها زيزي صديقته في المرسم لم يصدق نفسه فحضنته وقبلته على وجنتيه، وفي هذه اللحظة رنّ هاتفه
فظهرت صورة زوجته وابنته على الشاشة، استأذن من الرجل لكي يذهب في جولة مع صديقته فلم يري الرجل اختفى، زاغت عيني حسن مماحدث، ولكنه لم يُعر الأمْر انتباه، ذهب مع زيزي وحكى لها كل ماحدث، والحل وجدَهُ عندها، فهي تعرف فتيات اوروبيات يقمن في مصر ويعملن راقصات في المسارح الليلية، وتعرف واحدة بالأخص تتمنى أن تُرسم، لم يصدق قولها وفغر فاه من الدهشة ومسك كتفيها بيديِهِ وظل يهزهما من الفرحة بعنف وللتأكد من صحة الكلام، لقد اوجعها حقاً فهو في المساء يصبح أكثر هذيانا حددت له ميعاد المقابلة وبالفعل اتصل بالطَّوَّافُ في ثاني يوم وأخبره بالميعاد فسمعت زوجته بالمكالمة وقررت أن تترك المنزل فهي لم تقوَ على حياةٍ كحياتِ رجل مدمن بالهَوَسُ، فهي أخبرته أن هذا الرجل دجال وموضوع علمه بموت عمه كذب، لأن الممرضة المصاحبة لعمه قالت لها أنها رأت رجل لم تستطع تحديد ملامحه خرج من غرفة عمه وبعد خمس دقائق سمعت أصوات توقف القلب على المونيتر والممرضة قالت أنها لا تستطيع البوح للشرطة بسبب رعبها مما فعله الرجل عندما زارها في المنزل وهددها بالسحر الأسود وبعد ما زارها وصفت لي شكله فهو الرجل الواقف بجوارك في الصورة، الرجل الذي جعلك تبدد ثروة والدك وترهن ما تبقى لنا من عقار، لم يُرد تصديقها وتغافل عما قالت وخرج من المنزل مسرعاً للميعاد، وصل إلى العنوان المطلوب في الفيلا الرابضة في صحراء الهضبة الوسطى في المقطم، وجد الرجل الصامت الذي كان معه في باب الورد يستقبله ويدخله للفيلا، عند دخوله وجد الطَّوَّافُ وأمامه الفتاه عارية الصدر مثلما طلب ولا يعرف كيف أقنعها بذلك، عندما نظر لحسن بعد إنهماكه في الرسم إبتسم لأول مره فهو عبوس متجهم طيلة الوقت، طلب منه أن يكمل اللوحة فهو أخبره انه سيشاركه الرسم، أكمل حسن الرسم ولم ينبس ببنت شفه منذ قدومه، ومن خلفه يتمتم الطَّوَّافُ بلغةٍ غريبةٍ، انهى حسن ما تبقى من اللوحة من رتوش وتظليل، وبعدها شاهد الرجل الصامت يتحدث لأول مرة مع الفتاة بلغة فرنسية سليمة، لبست ملابسها من فوق وتحركت مع الرجل ولكنها لم تتحرك لباب الخروج ولكن للدور الثاني، المكان خلى تماماً منهم، فسكن حسن وأراح جسده على الكنبة المُلقاة وحيدة في البهو الذي يخلو من أي مظاهر للحياة، بينما غفلت عيني حسن أحسَ بشئٍ يُنثر على جسده ورائحته كالقيح، وعندما افاق وجد الطَّوَّافُ أمامه وقد تغيرت ملامحة وعادت للتجهم، بدأ في اخباره بأن الشيطان يسكن في الفتاة فيجب أن ننقل السحر الذي بداخلك لها ويجب أن تموت، تسمر حسن في مكانه من هَوْلُ
الكلام ولكنه يُحس بلجامٍ يمسك لسانه فلا يستطيع التكلم.وبالفعل ذهب معهم لكي يشاهد قتل الفتاة، فمنذ ذاك التوقيت وحسن لم يذهب لبيته قط ولم يرى زوجته وابنته انتهت ثروته تقريباً، وضاعت منه وظيفته، وأصبح الرجل الثاني مع الطَّوَّافُ بل رجل الكتف بالكتف معه في اقذر عمليات تمت في البشرية قتل وحرق وبيع أعضاء، وتحريف مصائر الناس إذا طُلب من اسياد الطَّوَّافُ، الغريب أن حسن لم يعد ينطق مثل الرجل الصامت إلا قليلا، وأصبح يتحدث الفرنسية بطلاقة لقد جعله الطَّوَّافُ خليفته عن حق فهو أخبره انه اصطفاه ليكون خليفته يومًا وانه هو من سحر له يومًا وجعله يتوهم ويري خيالات والغريب أن حسن بعدما عرف ذلك لم ينتقم ولم يفعل شئ فهو استمرأ هذه الحياة فلطالما كانت حياة الهَوَسُ تستهويه، ودائما في خياله منذ الصغر كان يحلم بتحضير الجن وها قد
حدث
تمت
أحمد بدر مهدي
١١\١٠\٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق