الاثنين، 26 أكتوبر 2015

في ظلّ أنثى تَمَرّدَت. قصة قصيرة ـــبقلم أحمد بدر مهدي. ـــ مجلة فيتارة القلم الذهبي



في ظلّ أنثى تَمَرّدَت. قصة قصيرة
الساعة السابعة صباحاً ، والسماءُ صفراء مُغبرة بالأتربة في يومٍ من أيامِ شهر مايو صاحب التقلب المزاجي، هزيز الرياح يدق شبابيك القرية بعنف فهو ضيف ثقيل غير مُرحب به في هذه الآونة ،بالأمس كانت ليلة دامية عن حق،بسبب إقتتالِ قريتين متجاورتين لثأرٍ قديم، فهى خصومةٍ مُفتعلةٍ بالأساس قادها بعض من مريدين الكبير من الطرفين لإعلاء سلطته من جديد على الرعية في باقي القرى بعد نزولها في الوحل ولمصالحهم الأبدية من الأعلى نزولا للأقل فالأقل ،سوسن بنت السادسة عشر عاما هي جارة القمر مثلما يصفها أهل قرية جزيرة الورد، فهى حسناء لدرجة تجعل الزمان يتوقف بمرورها أمام أعين الجالسين في مقهى حسن عبادة من فرط حُسنٍ تَعِبتُ منه الأنفسُ لعدم القدرة على تملكه ، فالوجه الملائكي يرونه عطرا لشهواتهم وليس لصون براءته، والخصر الذهبي يفعل أفاعيل ويوقد نارً في صدورهم لا تنطفئ ، البنتُ ذات الرّداء الأبيض والقلب الطيب والقوام الممشوق كالمُهرةِ الجامحة التي تملك عيونا نافذة لا ترضيها قطعة سكر، والأريج المُمرر على زهور الجزيرة بأكملها لا يستطيع أن يظلل أهدابها،فهي متطلعة لغدٍ أفضل، ولقد ضاقت ذرعا من هذا الجهل المحيط بها فهي ترى أن جميع من حولها لا يفهمونها إلا شخص واحد،نور فهو اسم عن حق لقد أضاء حياتها بالفعل بعد سنواتها الأخيرة من الكبت والهم ونظرات الذئاب لها، ففي احدى المرات راقبها رجل من بعيد وأحست به يتلوى كالأفعى بين ممرات وادي الشجر وهذا الطريق صباحاً و مساءً، تراه خالٍ إلا من رحم ربي، البنتُ الواثقة لا تهاب شيء فهى تعرف حفرة معينة صغيرة في هذا الوادي عندما كانت تختصر الوقت لتشتري متطلباتها الدراسية والعائلية لأمها وأخواتها البنات الثلاث حُسن التي تليها،وصفاء،وورد، تفكر أن ترميه في الحفرة بعنف، وبالفعل خبئت نفسها وراء شجرةٍ ضخمةٍ وهو يبحث عنها لا يعرف أين هى، فجاءت مسرعة من خلفه ورمته بها وهو يصرخ ويستغيث وهي تضحك وتقول له (خلي الكبير ينفعك) وإنطلقت،فهى الكبيرة والمسئولة بعد وفاة والدها الموظف البسيط،فلقد حباها اللّٰه بموهبة الكتابة منذ الصغر دائما تأخذ المركز الأول في إلقاء الشعر وكتابة القصص القصيرة والمقال الفني في المدرسة وعلى مستوى الجمهورية فلقد كُرمت من قبل المحافظ ومن بعده الوزير وهى الآن في بداية العام الأخير من الثانوية العامة وطموحها كلية الإعلام قسم صحافة،ومن المصادفات السعيدة أنها تكتب في مجلة إلكترونية وصحيفة ورقية يدّران عليها دخل يساعدها بنسبة تكاد تكون معقولة لمتطلبات أهلها الكثيرة، ولقد أكرمها اللّٰه بحب نور هذا الشاب الذي يساعدها في كتابة مقالاتها وقصصها علي الحاسب الآلي لترسلها للمجلة والصحيفة اللتين تكتب فيهما، فهو يملك المحل الوحيد في القرية لتصوير الورق والمستندات ومتطلبات الحاسب الآلي، ومنذ ذاك اليوم التي جاءت فيه لأول مرة لتكتب قصتها معه وباقي كتاباتها لكي تبعثها للجريدتين كي تعرف رأي القائمين فيهما على كتاباتها، وهو وقع في غرامها عندما جلست بجانبه لتمليه الحروف والكلمات، السهم الحنون مُرر من عينيها إلى قلبه مباشرة لم يتحمل هذا العطر الداخلي لديها ولم ينال من لوحة المفاتيح بسرعته المعهودة عندما وقع حجابها بدون قصد وظهر شعرها للنور ونَوُرَ المكان الرتيب، هذا الشعر الأسودِ كلمحةِ ليلٍ
ساهرةٍ تنقبضُ وتنبسطُ لتضفي دلالً على القمر والنجوم والحنين السرمدي،لقد أدركه سهم كيوبيد
في هذه الليلة.
(الكبير) هو الرجل الذي عاث في الأرض فسادا، لم ينجُ منه أحدا إلى الآن، حتى الشجر والورود اللذين تتمتع بِهما الجزيرة لم يسلما منه،فهو الذي إقطتع ثلثي وادي الشجر ليبيع أخشابه النادرة ولتفكيره القديم منذ الصغر للاستيلاء علي الوادي بأكمله ليكون ضيعته الجديدة.،فهو لم ينسى من رباه وهو يتيم، الحشاش كبير كبراء القرى الرجل الذي لم يراه الناس إلا مرةٍ واحدةٍ في الكبر بعدما قرر الإنسحاب وترك العهد في يد حسيب (الصغار) كما يسمونه الذي يُتنبأ له بأخذ مكان الكبير فالكبير ليس له ذرية وطبعاً لأنه تربيته فوجب أخذ مكانه بعد هرمان كبير الكبراء، لم يروه إلا في قصره وهو يصارع اللبؤة التي رباها وهى مولودة حينما رأها بجانب النيل في صندوقٍ حديدي ولم يعرف من وضعها هناك إلى الآن،لقد صارعها بعدما تمردت عليه
كانت تنام في قصره وتأكلُ معه إلى أنّ جاء اليوم الذي هاجمته، لأنه كان يريد أنّ يربي رضيعاتها فأبت ومن ساعتها قرر المواجهة، وأبلى بلاءً حسن،إلى أنّ تمكنت منه وطرحته أرضا ونهشته أمام الناظرين،وبعد الذهول والصراخ سُمع دوي طلقتين أنهت حياة اللبؤة على الفور وسُمع صوت حسيب وهو يبكي على مربيه، وبعدها سمعوه يقول بعدما استجمع قواه الكبير لو مات أنا عايش،ومن ساعتها وهو يبطش بالخلق أكثر مما كان يفعل الحشاش،فهو يُحمل البشر كلهم السبب في موته لأنهم لم يدافعوا عنه وهو بين أنياب من رباها، يفعل كل شئ يجعله يستمتع،ذات مرة في احدى نَزَقَاتهِ الطوال
جمع بعض من نسوة القصر ليضربونه بالسياط علي ظهره فهو سادي يستمتع بالضرب علي جسده ليس لممارسة الجنس ولكن الألم في حد ذاته متعة بالنسبة له ومتعة أكثر من يد من يعشقها ويذوب غراما فيها، سوسن البنت التي أضاعته والتي يحوشها الآن عنه نور، فهو يعرف أنه مَنْ أقرباء الضابط الجديد الذي لا يتوارى لحظة في زعزعة مجده التليد، فحسيب يعرف كل اللواءات والضباط والأمناء وأغلبهم له مصالح معهم فلا يستطيعون فعل شيء معه باستثناء هذا الضابط الجديد،الساعة السابعة والنصف الآن وقد قلت الأتربة وسوسن تتهادي مع نور ليوصلها إلى المدرسة مشيا، اهداها وردة بيضاء وعقد أسود من حجر الأونكس كالمسبحة. وقصيدة أنتظرها لمحمود درويش للاحتفال بعيد مولدها، فهو يعلم أنها تعشقها، فنسخها بالأمس على ورقة وأنثر عطرٍ خفيف عليها بحيث لا تترك آثر من البقع على الحبر، ولكي تفوح رائحتها عندما تقرأها، فهو يقابلها يوم بعد الآخر لكي لا يلفت الأنظار لقصتهما في القرية التي تعشق النميمة، ويسلك معها مسالك لا يمر منها مارٍ إلا كل بضعة ساعات،نور شاب جميل أبيض الوجه صدره عريض طويل القامة وجنتيه مشوبة بحمرة خفيفة، عينيه بنيتين تحمل طيبة الأرض وحنوها ، طموحه محدود وقلبه وفير بالمشاعر ،وسوسن تحلمُ ولا تملك غير الحلم وضفائرها المزدانة بتوكتين فضيتين اهدتهما لها أمها بالأمس ،هي كل ما تملك من إرث،يؤرقانها من تحت الحجاب، لذلك سألها نور لماذا ياحبيبتي خصلات شعرك ظاهرة من خلف ومقدمة الحجاب، فأجابته بالابتسامة التي تنهي الكلام قبل أن يبدأ، وهي في الحقيقة تحلم بخلع الحجاب يوما، وإنسدال شعرها الطويل على خصرها بلا خوف، ولتركض مسرعة في شوارع القاهرة المزدحمة كما قرأت في كتابات نجيب محفوظ ، او في باريس مدينة النور تحت المظلة عندما ترز السماء رزا، او عندما ترى ندف من الثلج تنزل على هدي ،مثلما خبرت من كتب الأسفار
، وتري مستقبلها في القاهرة، هى تحب نور عن حق ولكنها تعلم أنهما لن يكملا المشوار،لطموحها الكبير الذي يقابله قلب لا يملك غير المشاعر،وما أندره في زمانٍ لا يعترف بغير غلبة القوة ونُصرة الظالم على المظلوم، وهى تعلم أن الكبير لن يتركها تذهب سدى من بين يديه،وتحتاط لذلك كثيرا، الأمل الوحيد الآن في قريب نور الظابط الذي ظهر مذ عدة شهور وأربك حسابات من لهم مصالح في القرى، ففي الماضي كان كبار أهل القرى يتباهون من التودد والتقرب من الكبير،فالسعد والهناء لمن رُضى عنه، فكان ينشر الرعب بين أهل قريته بأمر من الكبير مقابل ثراء فاحش، الكل يعلم أنّ مَنْ على رأس القبيلة فهو في عيشةٍ راضية، فالكبير لا يسمح بوجود معارضين ولا يسمح بغير الموالين له،كل ذلك تهدم في اللحظة التي جاء فيها الضابط محمد علوي، فهو القاهري الذي طلب من رئيسه المباشر، الذهاب للصعيد لانه يحمل طموح كبير لخدمة وطنه في أصعب الأماكن، ولجَلدِهِ الدائم منذ الصغر،وحتى يداوم صلّة الرحم بين عائلة والده المُتَوَفَّى المتمثلة في ابن خاله نور واسرته،إذًا هو الهدف الآن من ضدين لا يقتربان، سوسن والكبير، تركها أمام المدرسة وسلم عليها من بعيد كعادته فهو لا يستطيع الظهور أمام زميلاتها، أطمئن عليها بعد دخولها لتأخرها في الوقت وذهب لمقهى حسن عبادة،لكي يصطبح بالشيشة التي علمه إياها صاحب المقهى شُربها وهو ابن الثامنة عشر، حسن هو همزة الوصل بين الكبير وكل رؤوس القرى،هذا الرجل أحاجية كبيرة، لا يلوي نور فعل شيء أمامه، لثقة اودعها فيه بحسن نية،فهو أخبره بعلاقته بسوسن،ولم يتواني في أخبار الكبير، لانه يعلم أنّ هذا الخبر سينقله نقلة ثانية وردية الملامح، فالكبير يذوب شغفا وعشقا في سوسن البنت ذات السابعة عشر وهو في الأربعين،الثانية والنصف الآن وسوسن تُعد الغداء في المنزل مع اخواتها اللائي جئن من المدرسة ايضا ،الأم غالبها المرض من سنوات الشقاء الطوال وتورمت قدميها من الدوالي واحتباس المياه وخشونة مفصل القدمين والأقرباء بعداء بعداء، والمنزل أصبح خيوط من لحم تتزاحم،خبطات على الباب،ذهبت سوسن لتفتح، فإذا بعينيها ترى الكبير وحاشيته يدخلون بلا إستئذان،حسيب وجهه أمام وجهها والعيون تدور في فلك الحكايات، أمر بإشارة منه بدخول الهدايا ، فقالت سوسن في حزم،كُفَ عنا،الأم نهرتها بشدة وعنفتها ثم اردفت،هل لو كان والدك هنا كان سيفعل مثلما فعلتي صَهْ يابنت،استغل حسيب الموقف وحاول تحسين الوضع فقام بإهداء الفتيات كل ما يحلمون به من كشاكيل وأقلام للمدرسة وثلاثة أتواب من قماش فاخر، وأهدى الأم كريمات طبية لقدميها وجلاليب جديدة، لم تعرف كيف عرف مقاسها،صناديق الطعام بالخارج حدث ولا حرج، لم يبقي غير قبول سوسن القلادة الماسية التي يحلمُ بأن يضعها على صدرها، يحلمُ بأن تحن وهى لن تحن، هى تُجن الآن، فهم ذلك وتركها لوالدتها وهم بالخروج، وفي خروجه كان استأذان الضابط ونور للدخول، تقابلوا بنظرات ترمي بشرر من ثلاثتهما خرج حسيب والقى السلام على الجميع دون أن يعر الأنتباه لاثنتيهما،في خروجه شاور بطرف عينه للعنتيل ذراعه اليمين للمراقبة عن بعد وذهب للقصر،جاءه العنتيل بعدها بالأخبار بميعاد خروج نور والضباط ،ثم جاء حسن عبادة، دخل منحني الرأس يتوارى في خوفه،فقال الكبير، قضية مخدرات لنور قريب أويّ ،وجب ياكبير،خرج وتركه على الكرسي الفرعوني الأثري الذي لا يوجد له مثيل، فلقد هربه له عالم آثار من مخازن قديمة مقابل خمسة ملايين من الجنيهات، مبلغ زهيد بمقابل ما سيكسبه من تهريب الكرسي لأوروبا ، تناقضات الأفكار المتربعة على عرش هوامشه تجعل الليل يطول كثيراً بلا نوم، فهو الرجل الذي جعل من الظلام سُكنة ، وخروجه لزيارة سوسن هي المرة الخامسة للظهور في القرى منذ عام ونصف، خفاش ليلي لا يعرفه الناس، يتفقد الرعية وهم نائمون وبالنهار يأتي له بالأخبار كل البصاصين،أنهت سوسن دراستها بتفوق كبير كعادتها في كل عام،وأعدت المدرسة رحلة مدرسية للعشرة طالبات المتفوقات من المدرسة لزيارة القاهرة لمدة ثلاثة أيام القاهرة فرحة العمر بالنسبة لها،ولكن فرحتها لن تكتمل للأسف، بالخبر الذي نزل عليها كالصاعقة،خبر عن نور حبيب القلب الذي أمسكه مصادفة، قريبه بتربة حشيش في حملةٍ موسعةٍ كانت بالأساس على الكبير فهو المورد لكل محافظات مصر تقريبا،حسن عبادة أكبر الأحاجي،فهو أقنع نور بتجارة الحشيش ومن بعدها الهروين بعدما اعطاه بلا مقابل الكيف الذي استمرأه بشدة، والغريب أنه نفذا من قبضة الضابط وهو مع نور في نفس مكان التسليم، والأغرب أنّ الحملة كانت في طي الكتمان فمن أخبره ياتُرى ،الكبير هو الذي أخبره، فهو عرف من احدى خدامينه بالداخل،لزمت سوسن الصمت في المنزل وامتنعت عن الأكل، واتشحت بظل من السواد الدائم، الحلمين ضاعا، نور والقاهرة فماذا تفعل،يجب أنّ تختار، محاورات داخلية تمزق ما تبقي من تفكير،ضاقت ذرعا، بكت.. تلوت على الأرض.. صرخت صرخات مدوية في الليل والنهار يسمعها كل المحيطين بالمنزل الصغير، انتابتها حُمى صيفيه لمدة اسبوعين،ستارةِ النور تأبى ملاحقة خَيِطُ دخانٍ سَاَفِر، وقلبها أصبح في طريقه للزود عن الحب وممارسته ثانية،فاقت من الحمى بمرور الوقت وتنفيذ تعليمات الطبيب وقررت الذهاب للقاهرة في الرحلة، فنور لو كان يحبها لما فعل ذلك بها،ولكنها قررت قبل ذلك مقابلة الضابط لتعرف كل شيء ولكي تحاول التوسل له قدر المستطاع لإجادة حلول لخروج نور ولو بكفالة هى ووالد نور الرجل صاحب الستون عاما، ذهبت للقسم ووجدت الكبير في السيارة وحاشيته، واللقم يضيق حدقتيه ،والشماتة على وجوه أتباعه ولكن في اقتراب حضورها أمامه غير ملامح وجهه بذكاء وحرفية ممثل باهر، وانطلق لكي لا يدخل في صدام مع الضابط، جُلّ ما
كان يريده،أن يراها وهى تودع الأمل الذي كانت تحيا
مَنْ أجله،لقد شرب من كأس شيطان الحشاش العباقية.
الضابط محمد علوي لم يقدم لها الجديد بعد كل هذه التوسلات والنحيب والبكاء منها، وقال لها أنه إذا وجد في هذا الموقف ثانية لن يتردد في تفعيل القانون،ولكنه سمح لها برؤيته،الثلاث دقائق التي سبقت مجيئه مرّت دهر، في دخوله عليهما بعد خروج الضابط،ازداد المكان كآبة وكرب،فهو مُصفد الذراعين بسلاسل مربوطة بعنف وآثار الحديد تدر تجلطات تجعل لون الدم في زرقة،الأب لم يحتمل أن يرى ابنه
طيب القلب هكذا،فَخَرَ على المقعد وظل يبكي،وسوسن لم تتمالك نفسها من البكاء، وعقلها يقول، آه كم اريد وبشدة تقطيع هذه السلاسل الحقيرة،اريد أن احتضنك ياغالي،اريد أن يبلغ العشق مداه،لماذا فعلت ذلك بي، ولماذا لم أنتبه لسعالك الدائم في الفترة الأخيرة،كنت دائما اقول إنها وعكة صحية ياليتني كنت أعلم ياليتك أخبرتني،يا اللّٰه، حبيبتي، قاطع أفكارها، لا يوجد أمل المحامي قال أنيّ سأُعرض على المحكمة بعد هذه التجديدات المستمرة للحبس،ارجوكِ ابتعدي عني، انسي كل شيء أنتِ لديكِ مستقبل باهر وأنا لا يوجد مني أمل رحلتك في الصباح الباكر لا تتركيها، حُلمكِ بزيارة القاهرة لن يتكرر بسهولة،لا لن اذهب لا، امسكت السلاسل بعنف وعصرتها بقوة فجرحت يديها، دخل العسكري وقال انتهت الزيارة، وهم بأخذ نور، مسكته من ذراعه بعنف ففصل بينهما ،وقام بدفعهما عن بعض، فعنفه نور للقسوة مع حبيبته، فزاد عليه الحارس عنفا، وخرجا من الباب،والألم يعتصر كبديها عليه،بعد خروج الوالد لا يلوي على شيء، تحدث محمد علوي معها وقال،في الصباح الباكر سأرسل معكِ قوة وراء الحافلة لتقلك إلى القاهرة، فهذا الرجل سيكون خلفك وأنا أخشى عليكِ منه، فلقد وصلتني معلومات لتفكيره بخطفك، سأعرض عرض عليكِ ستمكثي في القاهرة ثلاثة أيام في رحلتكِ، لا ترجعي بعدها اتسعت حدقتيها،سأوفر لكِ سكن للإقامة في شقة خالية في العمارة التي تقطنها أمي،وبعدها بهدوء وروية نأتي بأمك وأخواتك للعيش في القاهرة لإكمال دراستكم وللعيش هناك فهذا الرجل لن يتركك،تبسمت بحزن وعيناها تشكرانه، وضع يده في درج المكتب وأخرج ظرفا أبيض صغير وأعطاه لها، فرفضت وهو أصّر،وابتسم وقال،رديهم بعد متكوني كاتبة كبيرة،ضحكت وشكرته وخرجت لا تلوي على شيء.
سردت كل ماحدث لأخواتها وأمها فوافقوها وأعدوا معها حقيبة السفر،انتهت ظلماء الليل على صفحة السماء الوسيعة، وبدأ إنسدال شعاع النور رويدا رويدا يغزو فجاج الطريق الزراعي،جَزَلَ الحَمَامُ ساعد في هدوء صدر سوسن، بعدما صلت الفجر ودعت لخروجها من هذه الأزمة،فما الذي تستطيع أن تفعله هل تترك نور وتخونه أم وجودها في القاهرة هو الحل خصوصاً أنه لا يوجد أمل في القضية ،حضنت اخواتها ووصت حُسن على أمها، قبلت يد الأم بعدما اغرورقت عينيهما،وفتحت الباب، فرأت أول ما رأت العنتيل اليد اليمنى للكبير، فارتعدت فرائصها،وسرت رعشة في جسدها، مع اهتزاز جفون عينيها، ولكنها ثبتت مكانها كعادتها فهى رغم كل هذه المآسي لازالت القوية المتينة،أنت عايز أيه، قالتها في حدة وكأن التي كانت ترتعد امرأة غيرها،فهي لم تعد بنت السابعة عشر بل أصبحت ناضجة بضعف سنوات عمرها،الكبير في عربيته وعايز يشوفك،ارتعدت الأم والأخوات فألتفتت وطمأنتهم وخرجت وأغلقت الباب وتنفست بعمق،ذهبت مسرعة إلي سيارته ومسكت حجر كبير ورمته على زجاج الباب الأيسر الذي يجلس بجواره الكبير، الزجاج أصبح خيوط مسرطنة من شدة الضربة،يحول بينه وبينها الرؤية، أمسك بها رجالة الكبير وهي تقاوم،ونزل الكبير ومؤشرات الغضب تعلوه،
طوقها في صدره بحركةٍ خاطفة، فأصبحت بظهرها في مقدمة صدره فأمسك فيها بعنف ومرر أصابعه المكتنزة على الشفاه الطفولية بحنو،وقال. ممكن ادبحك، ثوانٍ معدودات تكفيه الآن بعدما انفرط العقد الذي اهداه لها نور مع وقوع حجابها، كم تمنى أن يأتي هذا اليوم الذي يشم فيه رائحة مسام جلّدها، ويتدثر وجهه بشعرها الأملس الأسود الطويل،كم تهاوى حبل أفكاره بين الغي والحُبُور، وحلم بليالٍ من نور معها في عتمة قصره المهيب، المنثور على أرضيته مالم تراه عين من القرى ،أحست بسخونة تخرج من صدره، وتنهدات عاشق فالأنثي تُحس بصدق الرجل من كذبه،عقلها تَعِبَ مَنْ اجبارها على التفكر فيما ستؤول إليه الأمور،ولماذا لا، نادى قلبها وضخ شحنات من المشاعر الضئيلة إلى رصانة عقلها،ستعيشين ملكة متوجة على كل القرى وستصبحين الكبيرة بحق، أزاح العقل كل هذه المشاعر، وقال. ومستقبلك وموهبتك، هل ينتصر عليكِ ابن الحرام،وبين هذا وذاك،سُمع صوت الأم وهي تستنجد لكي يتركها ويبتعد ولولت وبكت، والبنات الصغار على وشك الإنهيار، تركها وقال سأظل خلفك إلى القاهرة، وبينكِ وبيني ركوعي لكِ في أي لحظة تأمرين بها، استعادت انفاسها، فالظلماء قد انهت تماماً ستر الناس بالليل، وأشرقت الشمس بكامل نورها وفُتحت أبواب الرزق للفلاحين للتوكل على اللّٰه، تذكرت الحفرة التي وقعت فيها وهى صغيرة في المدرسة،عندما كانت تلعب مع زميلاتها بالكرة، بعدما أطاح بنظارة زميلتها فيها،وكانت مطالبة بالنزول فيها لتجلبها لزميلتها التي لا ترى من غيرها،تتذكر جيدا خوف كل البنات من هذه الحفرة للاشاعات الكثيرة،التي تتداول عنها في المدرسة، لم تلتفت للكلام، شمرت ساعديها ونزلت بعدما أمسكن بها زميلاتها مَنْ قدميها،عافرت، تأوهت،قاومت،رأت عقرب صغير اسود يقترب ويرفع ذنبه، لم تُعِر له بال،اتسخت ملابسها تماما ورائحتها تُكره الأنوف، ومع ذلك خرجت من الحفرة منتصرة بالنضارة وبصديقة لم تنسى لها هذا الموقف رغم ضحكات كل البنات، انها الارادة،صديقتها تقف الآن أمام باب الأتوبيس وتبتسم، ذهبت بعد ذهاب الكبير وركبت، والغريب هو حضور الضابط متأخراً، وعَقَبَ، أن أحد الأشخاص جاري البحث عنه وضع له منوم،انطلق الأتوبيس على الطريق الزراعي وورائه سيارة الضابط، ومن خلفهم بمسافة بعيدة ليست في مرمى البصر سيارة الكبير،الكبير في سكون تام يشرب الخمر والحشيش، والعنتيل يرغي ويزبد من الاهانات الدائمة من الكبير له، وبينما كل في صحوته وأفكاره، جائت سيارة مسرعة من ناحية الزجاج المكسور بجانب الكبير وفيها شخصين ملثمين، وخبطت السيارة بعنف عدة مرات من الجانب، إلى أن تهاوت السيارة في الترعة الكبيرة، وغرقت كل الأوهام والأحلام معها،وفي نزول السيارة بهدوء في القاع والفقاعات تتهادى على السطح ومقاومة الكبير والعنتيل وبعض من رجاله نزل الشخص الذي يقود واطلق وابل، من الرصاص انهى حياةِ من بالداخل على الفور، وفي النزول الأخير للسيارة ،رمى هذا الشخص صورة بداخلها والكبير يلفظ انفاسه الأخيرة، صورة للخادمة التي اغتصبها الحشاش في قصره وحملت في ولد، وظلت في القصر تخدم ، وحسيب على علم منذ صغره، ولم يأبه الحشاش لتوسلاتها يوما لكي يتركها إلى أن ماتت من القهر بعدما تركت ابنها لتربيه أختها،هذه السيدة هي أم حسن عبادة صاحب المقهى الذي كان يفعل كل شيء يأمره به الكبير لكي يصل إلي كرسيه يوما، بعد عقد صفقات مع كل رجال الكبير، ماعدا العنتيل لوفائه له،انطلق حسن بالسيارة للهروب وانطلقت سوسن للقاهرة للمدينة التي تحلم منذ الصغر بأن تشق طريق المجد فيها، تحلم وتحلم وليس للحلم نهاية
أحمد بدر مهدي.
٢٥\١٠\٢٠١٥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق