السبت، 30 مايو 2015

** رقصة الغراب ** // بقلم الكاتب / علي الشافعي // مجلة ~ فيتارة القلم الذهبى

رقصة الغراب الكاتب علي الشافعي
أتذكرون ــ يا دام عزكم ــ المسلسل التاريخي الشهير الزير سالم , والذي يجسد الملحمة البطولية ل(حرب البسوس) , أتذكرون مشهد دخولهم مدينة التبع اليماني بالحيلة , ثم دخول كليب وائل احد اشهر فرسان العرب (اخو الزير) قصر التبع مع الجليلة ابنة عمه ؛ واعمال الحيلة لقتله, جن جنون الزير , وأصر على الدخول مع اخيه لحمايته ان فشلت الخطة . حاول اصحابه منعه حتى لا يفتضح امرهم , فقال لهم : انا وكليب كالسيف والترس يحمي كل منا الاخر, فاذا دخالنا معركة يعرف كل منا ان اخاه رهو الذي يحمي ظهره , وبعدها لا يهمنا عدد الجيش الذي نقاتل . المهم ان هذه العلاقة بين الاخوين افسدتها امرأة كليب, فحصلت بينهما جفوة ؛ قتل خلالها كليب طعنا من الخلف . لانه لم يجد من يحمي ظهره , قامت على اثر ذلك حرب طاحنة بين ابناء العمومة , استمرت اربعين سنة لان الزير لم ير في بني بكر من هو كفؤ ليأخذه بثار اخيه .
سمعت يوما قصيدة وطنية لشاعرنا الشعبي الكبير موسى حافظ , فاستوقفتني بعض ابياتها وتأثرت بها ايما تأثر جعلتني اعيد كثيرا من الحسابات , تقول :
عندي مهرتي مثل الغزاله واخوي بساحة الهيجا حليفي 
مجاور بيت عمي وبيت خالي ومع الجيران بتقاسم رغيفي
الا ترون معي ان هذين البيتين يستحقان فعلا الوقوف عندهما . اذا رأيتم مثل رايي فالدنيا ما تزال بخير , والا فسأعرف ان المزاج العام قد تغير , واننا بحاجة الى صدمة كبرى لانعاش قلوب اراها في العناية الحثيثة. اقول : لعل من اسباب نكبتنا التفريطُ وعدم الاكتراث بالمعاني السامية التي حواها البيتان السابقان . المتمعن في البيتين يلاحظ ما يلي : الشطر الاول يعني انه اعد نفسه اعدادا جيدا لقتال عدوه بإعداد اداة القتال الرئيسة وهي المهرة الاصيلة , فهل كنا نعد انفسنا فعلا لملاقاة عدونا في جميع حروبنا معه ام كنا نخوضها في جوقة من المطبلين و المزمرين ثم نختلق المبررات لاسباب الهزائم , ونطلق عليها مسميات عجيبة (نكبة نكسة وكسة ) ولسة في (فكشة ونكشة وطقشة) . اما الشطر الثاني فيبين ان حليفه ورديفه وساعده وسنده في الشدائد هو اخوه . وهل في الدنيا كلها من يقوم مقام الاخ ويسد مسده , الا يصيح احدنا عند التأوه من شدة الالم آخ آخ .... هل وقفنا نحن الاخوة من بني عرب بحزم وقوة , نسند اشقاءنا في معاركهم ؛ بغض النظر عن كونهم على صواب او خطا , فالحساب يكون بعد المعارك لا اثناءها ؛ هل كنا وصلنا الى ما نحن عليه ألآن . هل بذلنا جهدا حقيقيا لإصلاح ذات البين بين العراق والكويت , ماذا كان موقفنا عندما دُكّت بغداد حاضرة الاسلام ورمز حضارته , وهدّمت بيوتها على رؤوس ساكنيها , وسقطت عاصمة الرشيد مدينة السلام بيد العلوج , واستبيح فيها كل محرّم . هلا وقفنا بجانب غزة ابان الاعتداء عليها ثم حاسبنا بعد ذلك قادتها ان كانوا جرونا لحرب لم نكن مستعدين لها ام لا . الشطر الثالث ( مجاور بيت عمي وبيت خالي) , هل ما زلت تجاور بيت عمك وبيت خالك وابناء العشيرة والاقارب ؟ ام انك بمجرد ان اصبح معك قرشان انسلخت عنهم , واشتريت صندوقا في عمارة في (تبربور او السويفية او عبطون ), لتجد نفسك لا تعرف لاحد من سكانها اصلا من فصل , وقديما قال المثل البلدي ( من فات قديمه تاه) . كم شقة سرقت وضح النهار وسكان العمارة يشاهدون , ولم يخطر ببال احدهم ان يسال ماذا يجري ؟ في هذه الصناديق انت وحدك تفرح وحدك وتحزن وحدك وتموت وحدك , لا يشاركك من الاقارب الا مجاملة او رئاء الناس , وليست مشاركة نابعة من القلب . لأنك اشعرتهم في وقت ما بالتعالي عليهم , والانسلاخ عنهم , فيصيبك ما اصاب الغراب الذي احب تقليد الحمامة فلم يستطع , ورجع الى مشيته الاصلية فوجد نفسه قد نسيها . الشطر الرابع ( مع الجيران بتقاسم رغيفي ) : هل نتقاسم الرغيف بيننا وبين جيراننا , او يسرق احدنا الرغيف من جاره بأية حيلة او وسيلة ؛ الغش الرشوة الاختلاس التزوير , والطرق كثيرة . المهم ان انعم انا واولادي , والباقي (الله لا يرده ) . ام ننتظر المساعدات لتطعمنا وتطعمهم . هل نحن مواطنون حقا , هل نشعر فعلا بالولاء والانتماء للوطن الذي نعيش على ترابه , وناكل من خيراته وندفن في احضانه . هل نحن اذن مؤهلون للانتصار على عدونا ؟ وتكون لنا مكانة محترمة بين الامم ؟ . طابت اوقاتكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق